منذ زلزال أرزينجان عام 1939 الذي بلغت قوته 7.9 درجة وراح ضحيته ما يقرب من 33 ألف شخص، لم تشهد تركيا، ولا المنطقة، زلزالاً بقوة الزلزال الذي وقع فجر الاثنين في ولاية قهرمان مرعش مخلفاً دماراً هائلاً في 10 مدن وأكثر من 16 ألف قتيل، وما يزيد عن 63 ألفاً من المصابين.
وفي أعقاب الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وأعقبته عاصفة من الزلازل الارتدادية بلغ عددها أكثر من 1300 هزة، قال رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين البروفيسور كارلو دوغليوني، إن الزلازل التي ضربت تركيا تسببت في تحرك البلاد (لوحة الأناضول) 3 أمتار نحو الغرب.
وبينما أشار دوغليوني إلى أن التقديرات الحالية تشير إلى إزاحة الصفيحة 3 أمتار لكن المعلومات النهائية سيجرى الحصول عليها بعد الاطلاع على بيانات القمر الصناعي، صرح عالم الجيولوجيا التركي البروفيسور جلال شينغور أن العبارة التي تقول بأن "تركيا تحركت 3 أمتار نحو الغرب" مجازية، موضحاً أن الصدع هو من تحرك هذا المقدار، موضحاً بالوقت نفسه :"لو كانت تركيا تحركت كنا سنرى فلقاً أرضياً يقطع تركيا من الشمال إلى الجنوب".
كيف يحدث الزلزال؟
قبل الغوص في تصريحات دوغليوني وشينغور علينا في البداية أن نعرف كيف يحدث الزلزال الذي تصفه هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بأنه "اهتزاز الأرض الناجم عن الانزلاق المفاجئ في الصدع. تؤدي الضغوط في الطبقة الخارجية للأرض إلى دفع جانبي الصدع معاً. يتراكم الإجهاد وتنزلق الصفيحة فجأة، وتطلق الطاقة في موجات تنتقل عبر قشرة الأرض وتسبب الاهتزاز الذي نشعر به في أثناء الزلزال".
وفي تقرير سابق، ذكرنا أن القشرة الأرضية تنقسم إلى 20 صفيحة تكتونية، منها سبع كبرى، تطفو فوق صهارة صخرية. فيما يجمع علماء الجيولوجيا، على أن 15 من أصل 20 من هذه الصفائح متحركة، وفي احتكاك بعضها ببعض تنشأ الزلازل والبراكين.
وتقع تركيا ضمن منطقة جغرافية نشطة زلزالياً، يقع جزء كبير منها على صفيحة الأناضول، وهي كتلة صغيرة من القشرة محصورة بين أربع لوحات أخرى، بما في ذلك الصفيحة العربية إلى الجنوب الشرقي، والتي تتجه نحو الشمال الغربي والصفيحة الأوراسية الأكبر بكثير إلى الشمال، والتي تتحرك إلى الجنوب الشرقي (انظر الخريطة).
وإذا أخذنا زلزال قهرمان مرعش الأخير مثالاً، نجد أن الزلزالين اللذَين ضربا الولاية يوم الاثنين وبغلت قوتها 7.8 و7.6 درجة على مقياس ريختر، وقعا على صدع شرق الأناضول، وهو ثاني أخطر صدع بين الصدوع الثلاثة التي تمر في الأراضي التركية، والذي بدوره يتحرك مع الصفيحة العربية على محور الشمال الغربي، ما أدى إلى انزلاق واحدة تحت الأخرى، ومع تراكم التوتر جرّاء هذا الاحتكاك حدث زلزال قهرمان مرعش المدمر بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر.
"كما لو أن تركيا تحركت 3 أمتار"
قال العالم الإيطالي إنهم يعتقدون أن صفيحة الأناضول، حيث يقع خط الصدع، تحركت ثلاثة أمتار على الأقل في الاتجاه الشمالي الشرقي والجنوب الغربي مقارنة بالصفيحة العربية، ولفت الانتباه إلى حقيقة أن هذه الحركة حدثت في 30- 40 ثانية.
وأكد العالم الإيطالي أن النشاط الزلزالي كان مرتفعاً للغاية في المنطقة عبر التاريخ، وقال "يبدو الأمر كما لو أن تركيا تحركت".
من جانبه، قال شينغور خلال مشاركته في البث المباشر على قناة TV100: "حقيقة أن الصدع تحرك ثلاثة أمتار لا يعني أن تركيا قد تحركت ثلاثة أمتار. تتلاشى هذه الحركة التي يبلغ طولها ثلاثة أمتار في نهاية الصدع".
وأضاف شينغور أنه لرؤية ثلاثة أمتار من الحركة على السطح، كما يُزعم، يجب رؤية صدع "يمزق البلاد من طرف إلى آخر".
"كارثة كونية"
نقل موقع سي إن إن التركي عن الخبراء قولهم أن الزلازل التي ضربت 10 مدن هي ضعف تسارع الجاذبية. وفي إشارة إلى أن هذا التأثير المدمر "كبير بشكل غير طبيعي"، قال الخبراء: "حدث مثل هذا الزلزال في بازارجيق في عام 1500. في ذلك الوقت كانت تسمى "الكارثة الكونية". هذه الزلازل هي نفسها بالضبط. شظايا الصدع، التي تراكمت عليها الضغوط لمدة 500 عام، تحطمت".
فيما قال الدكتور بولند أوزمن الأكاديمي في إدارة الكوارث في جامعة غازي التركية: "من غير المألوف حدوث زلزالَين كبيرَين على صدع شرق الأناضول كل ساعة، لقد شهدنا حدثاً نادراً جداً في شكل "عاصفة زلزالية". وتابع بأن "في تركيا 550 صدعاً نشطاً لديها القدرة على إحداث الزلازل".
وفي سياق متصل، قال عضو هيئة التدريس السابق في جامعة قرة دنيز التقنية (KTU) البريفسور عثمان بكتاش: "هذه الزلازل لا تسبب تدميراً على السطح فحسب، بل تتسبب أيضاً في توزيع الطاقة تحت الأرض وتسبب أضراراً بيئية".